لا يجب أن تستغرب لما يحدث من حولك إذا كنت من في منطقة نائية، لأن هذا هو حال كل الجزائر اليوم، وأن هذا الشرخ المجتمعي أمر متعمد، بل هو مشروع نظام، من أجل إحكام السيطرة على الشعب الجزائري.
لا مجال للشك أن هذا النظام الذي جاء على شرعية غير قانونية، ولا دستورية (شرعية الدبابة)، مفلس سياسيا، واقتصاديا، وأخلاقيا، وهو يعي هذا جيدا، ويعي أن كل حراك شعبي سيطيح به مثلما حدث مع غيره؛ لأنه بنى أساسه على الظلم المجتمعي والتفرقة، والمحسوبية، والأخطر اللعب على الجانب العرقي، وكأننا في فترة الاستعمار المباشر، ولذلك هذه الأنظمة التي من هذا النوع تعي أنه لا بقاء لها إلا على التفرقة، وشق الصف المجتمعي، ومهما كلف الثمن، فمثلا في ليبيا كان القدافي يخص قبيلة ورفلة (أكبر القبائل الليبية) بمزايا وامتيازات لم تكن لغيرها من القبائل، بالرغم من العدد السكاني القليل نسبيا، والريعي البترولي الهائل، والغاية من هذا جعل كل القبائل يكرهون هذه القبيلة، وتزداد النعرات والعصبيات ضد قبيلة ورفلة، وينسوا فساد النظام، والأمر نفسه في مصر، ويظهر أكثر في سوريا.
والجزائر بطبيعة الحال ليست بِدْعًا من هذا، إلا أن ما يميز الجزائر هي القبضة العسكرية القوية، والتهديد المباشر من طرف هذه العصابة المجرمة بالرجوع إلى حقبة التسعينات، وأيام الدم والنار، وهم يعلمون أنه لا حسيب لهم، ولا رقيب عليهم؛ لأن الضوء الأخضر من فرنسا وأمريكا، دائما لهم، لأن شعارهم محاربة الإسلامين، مقابل البقاء في السلطة، وغاية الأمريكان والأوربيين الاستيلاء على الثروات الوطنية، ومحاربة الدين.
الأحداث التي بيننا اليوم أكبر جواب، نظام مفلس على جميع الأصعدة، ولم يبق له أي شيء يُقَدِّم به نفسه إلا العصبية القبلية؛ لأنه لو لم يأت بالعصبية القبيلية وعلى أكتاف أصحاب المصلحة، كيف سيواجه الناس بالفشل الذريع الذي وصلوا إليه، والإفلاس الحقيقي الذي أدخلوا البلاد في متاهاته، والأمر نفسه بالنسبة للمعارضة.
يبقى سؤال بسيط، إذا كان النظام أوصل البلاد لهذه الحلالة المزية وعلى كافة الأصعدة، فكيف الناس أفواجا، وجماعات في الحملات الانتخابية؟
-الجواب بسيط وسهل؛ لأن أكثر من ينشط هذه الحملات هم من رجال الأعمال المنضوين تحت أحد الحزبين الحاكمين في الدولة (RNDوFLN)، وهنا تستطيع تسأل هل كل أعضاء الحزبين الحاكمين في الجزائر، أغنياء ورجال أعمال.
هذا أحد الأجوبة لَمَّا نسأل أين المبالغ الخرافة من عائدات البترول.
أما المعارضة والمتمثلة في بعض من يسمون أنفسهم إسلامين، فهي جزء من فساد النظام، ولا ننسى تهديد الرئيس لهم (لما كان يتكلم)، لما أرادوا استدراج الشعب، وذلك بالاستعطاف، حيث قالوا لا بد من محاسبة النظام، وماذا قدمتم للجزائر بعد خمسين عاما من الاستقلال، فقال لهم بوتفليفة: من يحاسبنا نحاسبه (الي ايحاسبنا نحاسبو).
فالمعارضة، سواء كانت إسلامية أو علمانية على اختلاف توجهاتها، فهي كذلك جزء من الفساد، وذلك بعد الإغداق الكبير من السلطة عليهم، ثم جعل أيديهم مغلولة، وذلك بعد العجز الذي أصابهم، أمام الاغراءات المالية الكبيرة، ولم يجدوا بُدًا من أن يكونوا جزءا من المسارح السياسية، أو ما يسمى الحملات الانتخابية، فمثلما النظام يستعين بالمال والعصبية، في حملاته الانتخابية، فالمعارضة الإسلامية تستعين بالعاطفة الدينية، والمعارضة العلمانية، تفتح حربا على الإسلامين، والأخطر من هذا كله، اللعب على الوتر الحساس (الوتر العرقي).
والغاية من هذا كله بالنسبة للنظام أن تظهر مظاهر الحملات الانتخابية فقط، وكأننا في دولة اسكندنافية، مما يعطيه شرعية، ويضمن عدم عزوف الناس عن الانتخابات، وإلا فالجميع وقبل الانتخابات مثلما يعرف من هو المرشح، يعرف من هو الفائز.
وإن كان الغرب يستعين بالدراسات، والاحصاءات، ثم يبني توقعاته على هذه التقديرات، أما في جزائرنا، فقد سبقنا الجميع بهذا، نعلم مسبقا من هو الفائز، وكم هي النتيجة، ولا أعتقد أن العالم المتطور يستطيع أن يصل لهذه النتيجة، مهما بلغ من التطور، والذكاء الصناعي.
- عنتر فرحات يكتب: زلزال سوريا وأدوات نظام العولمة في الاختراق والسيطرة - الأثنين _13 _فبراير _2023AH 13-2-2023AD
- عنتر فرحات يكتب: نفوذ أمريكا ونظرية قريش في السيطرة الناعمة - الأحد _29 _يناير _2023AH 29-1-2023AD
- عنتر فرحات يكتب: نظرية قريش السياسية والألغارشية العالمية اليوم - السبت _28 _يناير _2023AH 28-1-2023AD