صدر عن سلسلة تاريخ المصريين، العدد 333، كتاب “مُؤرِّخو مصر والشام والعراق خلال القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي” للباحث الدكتور علاء مصري النهر، وذلك عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
والكتاب هو في الأصل رسالة الكاتب للدكتوراه، وقد اختار ستة من مؤرخي القرن السابع الهجري في مصر والشام والعراق وهم: اثنان من مِصْرَ، واثنان من الشَّام، واثنان من العِرَاق؛ ثلاثةٌ منهم قَرِيبونَ من رِجَال الحُكْم (كابن السَّاعِي البَغْدَاديّ، وابن عبد الظَّاهِر المِصْرِيّ، وابن وَاصِل الحَمَوِيّ)، وثلاثةٌ أُخَرُ كانا مِمَّن ْيفضِّلون البُعْدَ عن حُكَّام عصرهما (كالمُنْذِرِيّ المِصْرِيّ، وأبي شَامَة المَقْدِسِيّ، وابن الكَازَرُوْنِيّ البَغْدَاديّ)، وورد ترتيبُهم على مدار فصول الكتاب حسب تاريخ وفاتهم، لا على أساسٍ جغرافِيٍّ.
وقام باستعراض منجزهم التاريخي واستعرض منهجهم في كتابة التاريخ وتحدث عن حياتهم وشيوخهم، وقام بدراسة آثارهم بالتفصيل،
وفي هذا يقول: رأينا أنْ نختارَ “الثقافة التاريخية في مصر والشام والعراق خلال القَرن السابِع الهجريّ”، وهي عبارة عن دراسة في التكوين الثقافي لستة مؤرخين من مصر والشام والعراق، وأَثْره في مؤلَّفاتِهم التاريخية” موضوعًا للبحث والدراسة؛ فأهميتُه تتمثلُ في البحث عن مَنابِعِ ثقافة المُؤرِّخين السِّتَّة الواقِع عليهم اختيارنا، وروافِدِها – سواء كانت ثقافةً دينيَّةً فقهيَّةً، أَمْحديثيَّةً تاريخيَّةً، أَمْ لُغويَّة أَدبيَّة، أَمْ عقليَّةً… إلخ -، وتأثير هذه الثقافة على مؤلَّفاتِهم، وبخاصَّةٍ التاريخيَّة منها.وانصب اهتمامُنا حول القرن 7هـ / 13م من دُون غيره من القرون؛لأنَّه قَرنٌ – كما وضَّحنا – شَهِدَ أَحداثًا سياسيَّةً خطيرةً، تصدَّى فيها الشَّرْقُ لخطر التَّتَار (المغول)، وقضى على بقايا الفِرِنْج بسواحِل الشَّام. كما أنَّه شَهِدَ نهضةً غيرَ مسبوقةٍ في التَّدوين التاريخيّ، شملت التواريخَ العامَّة، وتواريخَ الدُّوْل، وتواريخَ المُلُوك، وتواريخَ المدن، والتراجِمَ والطبقاتِ”.
وقد قسَّم المؤلف هذه الدراسة إلى: مقدمةٍ، ودراسةٍ تَمْهِيدِيَّةٍ، وأربعةِ فصولٍ، وخاتِمَةٍ، وقائِمَةٍ للمصادِر والمراجِع.
وقد تطرَّق المؤلف في التَّمْهِيد لجانِبينِ: الأَوَّل عن “الأحوال السياسيَّة في مصر والشام والعراق إبَّان القرن7هـ/13م” وذلك بشكلٍ مُجمَلٍ، والثاني عن “الحياة الثقافيَّة في مصر والشام والعراق إبَّان القرن 7هـ/13م”، واشتمل على عَرْضٍ مُوجَزٍ للحياة العلميَّة في هذا القرن، وعَرَضَ كذلك لتشجيع سَلاطين الأيُّوبين ودَوْلَة المماليك الأُولى للعِلْم، وتقريبهم للعُلماء واستقدامهم، وإغداق الهِبَات عليهم، وبناء المدارس لهم.
وجاء الفصل الأول بعنوان: “النَّشْأَة وأَثرها في التَّكْوِين الثقافِيّ للمُؤرِّخِين السِّتَّة محل الدراسة”، تطرَّقنا فيه للعوامِل التي أثَّرت في ثقافة هؤلاء المُؤرِّخين، وروافِدِ بيئتهم الثقافيَّة، كنشأتِهم، وصِلَتِهم بالحُكَّام، وتولِّيهم لبعض المناصب الرسميَّة (كالتَّدريس، أو خَزْن الكُتب، أو الإِنْشاء، أو القَضاء، أو السِّفارَة).
والفصل الثاني بعنوان: “أساتِذَة المُؤرِّخِين السِّتَّة، وتلامِذَتهم، وعلومهم المُحصَّلة”، عَرَضَ لأساتذة المُؤرِّخين محل الدراسة، ودورَهم في تشكيل ثقافتهم، وصقل روافدهم الثَّقافيَّة، ثُمَّ تناول الفصلُ العلومَ التي حصَّلها هؤلاء المُؤرِّخين، من علومٍ نقليَّةٍ (كعلوم القُرْآن والحديث، والفِقْه، والزُّهْد والتَّصوُّف)، وعلومٍ عقليَّةٍ (كالتَّارِيخ، وعلوم اللُّغة والأدب، والمنطق، والطَّبِّ، والهيئة، والفَلَك… إلخ)، ثُمَّ تناوَل تلامذتَهم المُتأثِّرين بهم.
والفصل الثالث بعنوان: “مؤلَّفات المُؤرِّخِين السِّتَّة في العلوم النقليَّة والعقليَّة”، سلَّط هذا الفصلُ الأضواءَ على مؤلَّفات المؤرِّخين موضوع الدراسة في العلوم النَّقليَّة والعقليَّة (أي العلوم الشرعيَّة والفلسفيَّة، كما كان يُطلَق عليها وقتئذٍ)؛ إذ كَثُرت كُتبُهم في علوم القُرْآن وعلم الحديث والفِقْه والتَّصوُّف بشكلٍ خاصٍّ، وهذا واضِحٌ في بعض كُتب المُنْذِرِيِّ، وأبي شَامَةٍ، وابن السَّاعِي، وابن عبد الظَّاهِرِ، وابن الكَازَرُونِيِّ. كما كانت لهم مؤلَّفاتٌ في التَّاريخ والطِّبِّ والمنطق والهيئة والفَلَك والنَّبات، مثل كُتبِ ابن عبد الظَّاهِرِ، وابن وَاصِلٍ، وابن الكَازَرُونِيِّ.
والفصل الرابع بعنوان: “أثر التَّكْوِين الثقافِيّفي مؤلَّفات المُؤرِّخِين السِّتَّة”، سوف يُبرِز هذا الفصلُ أثرَ ثقافة المُؤرِّخين محل الدراسة، المستقاة عبر نشأتهم، وأساتذتهم، واتصالهم بحُكَّام عصرهم، وتولِّيهم لبعض المناصب الرسمية، فيكتاباتهم – خاصَّةً التاريخية منها -، وذلك من خلال الدراسة الوَافِيَة لكُتبهم؛ لتقصي ملامِح هذا التأثير.