
السعودية بين «بقرة» ترامب و«عداء» بايدن
الأمة – خاص| قُبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، قال دونالد ترامب: إن «الرياض كالبقرة الحلوب، متى يجف حليبها سيتم ذبحها».
وفي عام 2015، قال ترامب: «إذا كانت السعودية التي تدر مليار دولار كل يوم من النفط تحتاج إلى مساعدتنا وحمايتنا، فإن عليهم أن يدفعوا ثمنًا كبيرًا لا فطائر مجانية».
هكذا كان ينظر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، إلى المملكة العربية السعودية، قُبيل دخوله البيت الأبيض في يناير 2017.
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، تعامل ترامب مع السعودية على أنها بنكًا يعطيه «شيكات على بياض»، يحدد هو قيمة الصفقة وتاريخ الدفع.
وعقب توليه السلطة مباشرة؛ عمد على استنزاف المملكة اقتصاديًا وفي أول جولة خارجية له، اختار العاصمة الرياض كمحطته الأولى في مايو 2017، نتج عنها توقيع صفقة توريد أسلحة بقيمة 110 مليار دولار من أصل 470 مليار دولار على مدى 10 سنوات، كاستثمارات في قطاعات أمريكية مختلفة توفر أكثر من مليون وظيفة لعاطلين أمريكيين عن العمل، وقتها كان ترامب في غاية النشوة وعلق على الصفقة قائلًا: «كان يوما هائلًا، مئات المليارات من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة ووظائف، وظائف وظائف».
وخلال استقباله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض، قال: «السعودية بلد ثري جدًا، نأمل أن تعطي الولايات المتحدة بعضًا من ثروتها من خلال شراء أفضل المعدات العسكرية في العالم وخلق وظائف جديدة».
وفي أكتوبر 2018؛ رهن ترامب بقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في السلطة بدعم الولايات المتحدة، ونقلت وكالة «رويترز»، عن الرئيس الأمريكي قوله أمام حشد في «ساوثهافن» في «مسيسيبي»: «نحن نحمي السعودية يمكننا القول إنهم أثرياء وأنا أحب الملك سلمان لكنني قلت له: نحن نحميكم، قد لا تبقى هناك أسبوعين بدوننا، يجب أن تدفع تكاليف جيشك».
وَعبر حديث آخر له، طالب السعودية بالدفع مقابل حمايتها، قائلًا «ما كان للسعودية أن تكون موجودة لولا الحماية الأمريكية».
وخلال مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية، أكد الرئيس الأمريكي، أنه قال للملك سلمان «عليك أن تدفع»، مشيرًا إلى أنه «على مدى أعوام وأعوام لم تكن السعودية لتستمر لولا الولايات المتحدة، لأنها تحميها ولا تحصل على مقابل».
وبرغم لهجة ترامب الحادة، إلا أن إدارته ظلت على علاقة وثيقة بالمملكة، التي تنظر إليها كحصن ضد توغل طهران في المنطقة العربية.
أسلحة واستثمارات مقابل تمرير قضية خاشقجي وحرب اليمن
نظرًا لأن السعودية تنفق على القطاعين العسكري والأمني نحو 28% من ميزانيتها السنوية – ما يعادل 8% من ناتجها المحلي الإجمالي-، فقد ركز الرئيس الجمهوري على زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية لتغطية مشاركتها في الحرب اليمنية التي تكلف الرياض شهريًا نحو 5 مليارات دولار وفق بعض التقديرات، بالإضافة إلى حماية أمنها القومي من الخطر الإيراني.
وعقب سنوات من حكم ترامب أصبحت المملكة شريكًا إقليميًا هامًا لأمريكا، وبات الإنفاق على مبيعات الأسلحة القادمة من أمريكا، أحد أهم عوامل تمسك ترامب بعلاقات واشنطن مع الرياض.
وضخت المملكة أموالًا طائلة كاستثمارات في أمريكا مقابل صمت ترامب على قضية اغتيال كاتب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول أكتوبر 2018، واعتقال كبار رجال الأعمال وأمراء داخل الأسرة الحاكمة ودعاة وناشطين في مجال حقوق الإنسان.
وبحسب مقال للدبلوماسي الأمريكي السابق «ماركو كارنيلوس»، في موقع «ميدل إيست آي»، فإن ترامب استفاد من اغتيال خاشقجي، إذ أعلن أن واشنطن ستتغاضى عما فعله ولي العهد لأن المملكة تساعد في محاربة إيران، وتشتري الأسلحة الأمريكية، وتساعد على التحكم في أسعار النفط بما يتوافق مع المصالح الأمريكية.
وتوقع «كارنيلوس» -آنذاك- أن يكون ثمن الدعم والرسالة الضمنية التي بعثها ترامب إلى الديوان الملكي، أن إنقاذ ولي العهد السعودي من المتوقع أن يكلف المملكة 450 مليار دولار من الاستثمارات.
تصريحات «بايدن» على خطى «ترامب»
على وتيرة التصريحات الصاخبة لترامب ضد السعودية قُبيل توليه الحُكم، فقد أظهر الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا، «جو بايدن»، غضبه هو الآخر من السلطات داخل المملكة، حيث تعهد في حديث العام الماضي بـ«استعادة الشعور بالتوازن والإخلاص للقيم الأمريكية في علاقاتها داخل الشرق الأوسط».
وكان المرشح الديمقراطي رد خلال حملته الانتخابية على سؤال حول الطريقة التي كان يجب على أمريكا التعامل بها مع مقتل الصحافي جمال خاشقجي وحربها داخل اليمن، وقال إنه كان سيمضي في تجميد المساعدات العسكرية إلى السعودية وجعلها دولة منبوذة على الصعيد الدولي.
وأضاف، آنذاك: «كنت سأوضح بجلاء أننا لا نعتزم في الواقع بيع الأسلحة لهم، وننوي إجبارهم على دفع الثمن ونبذهم بإلغاء جميع الإعانات الأمريكية الممنوحة للسعوديين ومبيعات أي مواد لهم حيث أن حكومتهم تحظى بقيمة اجتماعية إيجابية قليلة جدا بعد أن قتلت الأطفال والأبرياء ما يحتم ملاحقتها».
سقوط «أوراق الثقة»
وحول ردود فعل الساسة على موقف الرئيس الأمريكي الجديد من المملكة، قال «عصام عبد الشافي»، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن تصريحات «بايدن» أثناء حملته الانتخابية، نزعت عن النظام السعودي أوراق الثقة والمصداقية التي زرعها ترامب، وخلقت لديه حالة من القلق والاضطراب.
وأضاف عبر حسابه الشخصي على موقع «يوتيوب»،أن «الديمقراطي «بايدن» وجه في حملته انتقادات مباشرة للسلطات السعودية على خلفية الجريمة الشنعاء التي ارتكبها ولي العهد بحق خاشقجي في سفارة المملكة بتركيا».
وأوضح أن السنوات الماضية كشفت رضاء الرئيس المنتهية ولايته «ترامب» على ما حدث بدليل عدم وجود اتهامات مباشرة من قبل البيت الأبيض للمنفذ الرئيسي لجريمة خاشقجي، بعكس تصريحات الرئيس الجديد والتي كانت شديدة التأثير ضد النظام السعودي.
ولفت أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن السلاح الأمريكي هو المستخدم في الحرب السعودية أو «العدوان» – حسب وصفه- على اليمن منذ مارس 2015 والتي خلفت أكثر من 100 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى.
ورأى «عبد الشافي»، أن الإدارة الأمريكية الجديدة انتزعت أوراق الثقة والمصداقية عن النظام السعودي وفق المُعلن حتى الآن بشأن «العدوان» على اليمن وجريمة اغتيال «خاشقجي»، متوقعًا احتمالية تغير وجهات النظر بعد تولي السلطة في يناير 2021 لكنه استبعد في الوقت ذاته أن يكون موقف بايدن مثل ترامب حول هاتين القضيتين.
موقف السعودية من «هجوم» بايدن
على الجانب الآخر، علقت السلطات السعودية على تهديدات الرئيس الأمريكي الجديد، حول ملاحقتها دوليًا جراء حرب اليمن وقتل الصحافي جمالي خاشقجي.
وأكد وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية، عادل الجبير، خلال لقاء تلفزيوني مع شبكة CNN الأمريكية، أن بلاده تتعامل مع رئيس الولايات المتحدة كصديق سواء كان جمهوريًا أو ديمقراطيًا.
وأشار إلى أن علاقة المملكة قوية مع الحزبين -الديمقراطي والجمهوري-في أمريكا ومع كل عقد يمر تصبح أقوى وأوسع وأعمق، على حد تعبيره.
وتوقع «الجبير» ألا يكون هناك تغييرًا كبيرًا في السياسة الخارجية لأمريكا، خاصة أن الرئيس المنتخب بايدن، عضو في مجلس الشيوخ منذ 35 سنة، ولديه خبرة هالة حيث عمل نائبًا للرئيس لمدة 8 سنوات.
ورأى الوزير السعودي أن ما يقوله المرشحون في حملاتهم الانتخابية لا يترجم غالبًا بمجرد انتقالهم إلى المنصب، مستشهدًا بهجوم الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب على المملكة قُبيل دخوله البيت الأبيض إذ توجه إلى السعودية في أول زيارة خارجية عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة.
المصادر
BBC البريطانية
DW الألمانية
CNN الأمريكية
رويترز
الأناضول