قدم إخفاق كل من رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح في الوصول لاتفاق حول القاعدة الدستورية التي سيتم بموجبها أجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية دليلا جديدا علي عمق الازمة الليبية المتفاقمة منذ أكثر من 10أعوام وإشارة مهمة علي دور النخب السياسية الليبية وأطراف اقليمية ودولية في عرقلة التسوية المأمول الوصول إليها في ليبيا.
فقد فشلت الاجتماعات المتلاحقة التي رعتها العاصمة المصرية القاهرة بين عقيلة صالح والمشري وما تبعها من اجتماع آخر بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وقائد مليشيا الكرامة خليفة حفتر- في التوصل لتسوية حول حق مزدوجي الجنسية في خوض الانتخابات الرئاسية حيث تمسك صالح بضرورة منحه الحق في الترشح وهو ما رفضه المشري الذي عزا موقفه الي السوابق الدولية التي تحرمه مزدوجي الجنسية من خوض الاستحقاق الرئاسي في بلد أخر حتي لو كان الوطن الأم له .
النخب والمسئولية عن الأزمة الليبية
دور النخب السياسية في عرقلة الانتخابات الرئاسية صار محل أجماع في المشهد الليبي أو من قبل الاطراف الدولية المهمة وفي القلب منها الامم حيث أقرت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة السابقة ستيفاني وليامز بأن الاطراف والنخب الليبية هي من تقف وراء عرقلة عقد الانتخابات رغبة في محافظة علي امتيازاتها المالية التي فاقت الحدود رغم الوضع الاقتصادي الصعب التي تعاني منه ليبيا خلال العقد الماضي .
بقدر ما مثل الإخفاق في الوصول لقاعدة دستورية تجري بموجبها الانتخابات الاطراف الفاعلة في ليبيا أمر مؤسفا بقدر ما مثل خيبة للراعي المصري حيث كانت القاهرة تعول علي هذه المحادثات لتسوية الخلافات بين الفرقاء وتوصيل رسالة للمجتمع الدولي الاطراف اقليمية وفي مقدمتها تركيا بمركزية دورها في ليبيا وهو ما لم يتحقق بسبب المصالح الفئوية التي تحكم سلوك الفرقاء الليبين ناهيك عن عمق الخلافات بينهم وارتهانهم لأطراف دولية لاترغب في تسوية الازمة الا بالشكل الذي يحقق مصالحها.
قد قدم هذا الفشل تأكيدا علي ان الاطراف الفاعلة في المشهد الليبي سواء في طرابلس او مناطق الشرق الليبي هي من تقف وراء عرقلة اتمام الاستحقاق الانتخابي بوضع كافة العراقيل للحيلولة دون عقده وذلك للمحافظة علي امتيازاتهم السياسية والمالية التي يتمتعون بها وفق اتفاق الصخيرات الذي قسم العكعكة الليبية بين الجهات المتصارعة في المشهد الليبي لحين اجراء الانتخابات ونهاية المراحل الانتقالية وهو ما لم يتحقق حتي الآن .
ويدرك كل من المشري وعقيلة صالح وخلفاؤهما سواء في العرب أو الشرق إن اتمام الانتخابات ووجود رئيس ليبي في طرابلس وبرلمان منتخب سينهي دورهم في المشهد السياسي ومعها الامتيازات المالية التي يتمتعون بها انطلاقا من قاعدة ان الفائز بالانتخابات سيفوز بكل شىء وسيستمتع بشرعية دولية تجعله العنوان الوحيد في ليبيا ووسيفتح الفوز أمامه الباب واسعا للتخلص من الأجسام السياسية الغربية في ليبيا وتعدد المؤسسات بشكل يدفع النخب الحالية للتفكير طويلا قبل ازالة العقبات أمام إجراء الانتخابات وفي مقدمتها القاعدة الدستورية وحق مزدوجي الجنسية في خوض الانتخابات.
وبحسب المراقبين فان فشل مفاوضات المشري وصالح بالقاهرة في التوصل لتفاهم بخصوص القاعدة الدستورية له عدة تداعيات أولها أن إجراء الانتخابات في المستقبل المنظور صار أمرا شديد الصعوبة وهو ما يعني إطالة أمد العملية الانتقالية ومعها استمرار الأجسام السياسية الحالية بدءا من الأعلى وبرلمان طبرق ومعها المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة فضلا عن استمرار حالة الفوضى السياسية و الامنية بشكل قد يقود للاقتتال بين الفرقاء الليبيين لحسم الصراع علي السلطة مجددا.
الوساطة المصرية والفرقاء الليبيين
ومن ابرز تداعيات فشل محادثات القاهرة تأكيده علي دور الأطراف الدولية المتناحرة في المشهد الليبي حيث لعب تناقض المصالح بين هذه الدول الدور الأبرز في استمرار مأساة الشعب الليبي وإطالة امد الصراع بالتزامن مع صراع مصالح مماثل بين الفرقاء الليبيين بشكل يؤكد اننا لسنا في مجال لتسوية الأزمة بل امام فصل جديد من الصراع قد يكون اكثر شراسة.
من جانبه أكد عصام الزبير المحلل السياسي الليبي أن فشل مفاوضات القاهرة بين المشري والمجرم خليفة حفتر كان متوقعا في ظل رغبة كل الطرفين في تأجيل عقد الانتخابات الرئاسية والنيابية للاحتفاظ بكل المكتسبات الشخصية والفئوية التي تتمتع بها الأجسام السياسية في ليبيا مؤكدا أن المشري وعقيلة صالح وجهان لعملة واحدة لا يريدان حل الأزمة بأي شكل من الأشكال .
ولفت في تصريحات لـ “الأمة ” إلي أن ارتهان الفرقاء السياسيين في ليبيا وراء أجندة أجنبية ورفض العديد من الأطراف الليبية المحاسبة عما ارتكب من جرائم في حق الشعب الليبي وتحفظهم علي تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية كما جري في بلدان عديدة كجنوب إفريقيا مثلا هو من يعرقل الوصول إلي مصالحة وطنية تشكل قاطرة لانقاذ الوطن الليبي .
وأشار الزبير إلي أن الأزمة في ليبيا تبدو ثقافية في المقام الأول فهناك من يرفضون حتي الآن الانتقال إلي الديمقراطية وبل يحبذ بعضهم العودة للديكتاتورية رغم ما عاناه الليبيون ما يقرب من 42عاما مشددا علي أهمية وجود ضغوط دولية حقيقية علي الفرقاء الليبيين لإقناعهم بالوصول لتسوية سياسية تنقذ ليبيا من الفوضي وتعيد أجواء الاستقرار .
