- القايد.. توفيق.. زيتوت.. تساؤلات؟! - الخميس _25 _أبريل _2019AH 25-4-2019AD
- الحراك الجزائري.. وأطروحات جربوعة! - الخميس _18 _أبريل _2019AH 18-4-2019AD
- الحراك الجزائري.. وزيتوت والجيش! - الثلاثاء _16 _أبريل _2019AH 16-4-2019AD
الحراك الجزائري معقد أكثر مما يحاول البعض أو الكثيرون اختزاله.. صحيح عندما تنزل في كثير من المدن الجزائرية (باستثناء العاصمة) تشعر وكأن المطالب موحدة وأن لا خلاف كبير بين صفوف المحتجين.. ولكن قناعتي أن هذا لا يعكس حقيقة ما يحدث في مفاصل الحراك ولا على مستوى الشخصيات والفئات والحركات السياسية التي تستثمر في هذا الحراك سياسيا وستجني ثماره أو أشواكه.
لهذا وجب أن نحاول فهم سبب هذا الانقسام وحجمه وعلاقته بحقيقة الصراع على السلطة في الجزائر والتغيير.. فهناك مشروعان يسيران بالتوازي في هذا الحراك.. صراع عصب السلطة ورغبة أغلبية الجماهير في إصلاح وتغيير ديمقراطي حقيقي.
الشاهد أننا أمام ثلاثة رؤى كبرى:
أولا، هناك تيار يقف موقف العداء الكلي من الجيش.. وهذا التيار ليس كتلة واحدة.. ولكن من أبرز كتله، كتلة من ناصروا الجيش في التسعينات بقيادة ضباط فرنسا صراحة أو ضمنيا ورضوا بتقاسم الجيفة معه، وجزء كبير منهم رضوا بأهم مخرجات آخر دستور وهللوا لها ويرفضونه الآن.. ويقتصرون العصابة في جناح بوتفليقة ويختزلون أزمة الجزائر في عهدة بوتفليقة أو في بوتفليقة وحده تقريبا وجماعته.. والكتلة الثانية هي ما يمكن أن نسميها كتلة العربي زيتوت حتى لا أقول رشاد.. وهنا سأتحدث بصراحة ومن دون تلميح بخصوص الأخ العربي زيتوت.. لأن المرحلة تقتضي المصارحة ولا شيء آخر.. ولا يمكن الصمت عنها بحجة وحدة الصف.
العربي زيتوت عرفته منذ سنوات عديدة.. وكان معارضا شرسا للنظام بشكل جذري بصفته الشخصية أو كعضو قيادي في حركة رشاد، والتي كانت بالنسبة لي أفضل حركة تحمل مشروعا سياسيا وطنيا.. ولكن الماضي النضالي للعربي زيتوت لا يجعل منه حتما شخصا فوق النقد أو يحوله إلى صنم مثلما يفعل البعض.. فالعبرة بالأفكار والمآلات وليس بالأشخاص والماضي.
وحتى أكون مختصرا قد الإمكان.. أقول إنه بالنسبة لي صدمت كثيرا بانحراف الخطاب السياسي لزيتوت.. وخاصة منذ أن وضع يده في يد صبي تافه أعتبر مجرد الجلوس معه مسبة لكل كريم وصاحب مروءة.. فما بالك أن يروج له المرء ويجعل منه أيقونة سياسية.. فهذا يعتبر إهانة للنضال الشريف وهذا الشعب وقضيته.. ثم ما لبث أن أصبح زبتوت يبرر ما لا يبرر من مشاهد رأيناها في هذا الحراك.. ولكن دعنا نتجاوز كل هذا لنتحدث عن ما أعتبره أخطر ما في خطاب السيد زيتوت هذه الأسابيع.
الممتتبع لخطاب زيتوت من خلال بثه المباشر اليومي المتواصل يجد أن الرجل يشن حربا على قيادة الجيش الحالية، حربا لا هوادة فيها.. بل تجده يأمر وينهى ويهدد قيادة الجيش وبالأخص القايد صالح.. ويهدده بفتح ملفات فساده.. إلخ.. طبعا في بعض الأحيان يتراجع قليلا ويمني القايد صالح بالعفو عليه إذا ما لبى مطالب الشعب غير منقوصة.
هذه اللهجة الهجومية وحرب كسر العظام مع قيادة الجيش الحالية في الحقيقة جعلتني فعلا في حالة تساؤل دائم.. هل الرجل يعي ما يقول؟ أم هي مجرد شعباوية وعنتريات فارغة؟.. أم هي تحالفات ومشاريع نجهل طبيعتها؟
والحقيقة عندما استمع لزيتوت وهو يخاطب قيادة الجيش الحالية أشعر وكأنه يخاطب الجنرال تواتي.. تواتي.. نزار.. توفيق.. العماري.. قنايزية.. إلخ من جنرالات الدم وكبرنات فرنسا.. بل الأغرب أنه يحمل قيادة الجيش الحالية مسئولية ما حدث في التسعينات.. وهذا لا يقبله عاقل.. مهما كان فساد القيادة الحالية وفساد القايد صالح.. فبالعودة إلى كلام زيتوت نفسه في التسعينات والسنوات الماضية نقف على سيناريو آخر تماما.. وفي الحقيقة لا يحتاج المطلع للعودة إلى كلام زيتوت ليعلم أن القيادة الحالية، وبما فيهم القايد صالح نفسه، وأغلب ضباط الجيش في التسعينات لا علاقة لهم مباشرة بمآسي التسعينات.. فهم أنفسهم كانوا ضحايا لفتنة ولعبة قذرة.. وهذا في نفسه لا ينفي الفساد المالي على أحد والتربح من المنصب..فالأمران مستقلان لمن لديه قليل من العقل.
يصور العربي زيتوت القايد صالح أنه هو النظام، وهو رأس الفساد، وسبب مآسي الجزائر، وفي نفس الوقت مفتاح الحل.. ولكن تمنيت من السيد زيتوت أن يحدثنا بالتفصيل عن فساد القايد صالح المالي (والذي نعرف ونسمع عن بعضه) وليقارنه في نفس الوقت بفساد أقل رجل أعمال ينتمي إلى منتدى حداد.. فما بالك بربراب أو كونيتاف.
هل في بلد يأخذ فيه رجل أعمال مثل طكحوت قرضا بنصف مليار دولار وقطعة أرض مهولة مجانا تعتبر مخبزة تمول الجيش فسادا؟ أو فيلة هنا أو هناك أو استيلاء على قطعة أرض هنا أو هناك فسادا؟.. هل القايد صالح يجلس مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ليحدد السياسات النقدية للبنك المركزي مثلما كان يفعل الجنرال تواتي.؟ هل القايد صالح مؤثر في السياسات النقدية والمخطط الاقتصادي للبلاد عدا ما يحدث في الجيش؟
هل الفساد في الجزائر ومربط الفرس الحقيقي هو في هذا الفتات من الفساد؟ هل هكذا يفهم السيد زيتوت الفساد المؤسساتي والتبعية للخارج؟
ثانيا…ما سر هجوم كل القيادات والتيارات والوجوه السياسية التي باركت انقلاب 92 وتحالفت مع كبرنات فرنسا (ضباط فرسا) على الجيش وقيادته الحالية؟
وحتى أكون واضحا.. فلا أعتبر هذا دليلا كافيا على صلاح أو وطنية القيادة الحالية.. ولكن أقول أن هذا فعلا يدعو للاستغراب.
ثم لماذا كل هذه الوجوه والأحزاب السياسية تنتقد الجيش بشكل ذكي وتلمح بينما وُضع العربي زيتوت في فوهة المدفع ليكون عرابا لهم، ويجعل من الصراع السياسي معركة صفرية مع قيادة الجيش الحالية؟
هل السيد زيتوت يعلم يقينا أنه في نهاية المطاف ستتم الإطاحة بالقايد صالح وتتولي قيادة جديدة زمام الأمور في الجيش؟
فإذا كان كذلك.. فهل يعلم السيد زيتوت أن هذه القيادة ستكون وطنية وليست استئصالية تجعلنا نترحم على القايد صالح ورفاقه؟
وإذا كان يخوض حربا مع قيادة الجيش على غير بصيرة، ألا تعتبر هذه مغامرة ومراهقة سياسية لن تؤدي في نهاية المطاف إلا لصدام خاسر تماما مع الجيش..أو لتفتت الجيش نفسه ودخول البلاد في أتون فتنة داخلية؟.
وماذا لو استتب الأمر للقيادة الحالية واستطاعت أن تنقل البلاد إلى نوع من الانفتاح السياسي المقبول والمتوازن.. ماذا سيكون مصير العربي زيتوت الذي حرق جميع مراكب العودة؟.
والسؤال الأخير.. ألم يكن من الممكن لهذه القيادة التي تصفونها بالعميلة للخارج والغرب أن تقوم بانقلاب وتعين سلطة مدنية مثلما فعلت قيادة التسعينات، وتدير المشهد من الوراء؟ ونحن نعلم يقينا أن وجوها سياسية كثيرة في الحراك ومتصدرة له ستحفظ مصالح فرنسا والغرب وتسير على نهج التسعينات الذي شاركت فيه بشكل أو بآخر.. سرا أو علنا.
وإذا قال البعض.. أن الغرب يقف ضد الانقلابات، فأقول أن هذا خطأ تماما..فالغرب يرحب بكل إنقلابي يأتي ليخدم مصالحه.. في مصر وليبيا وغيرها.
أخيرا.. أقول أنني أتأسف كثيرا، وبصرف النظر عن طبيعة قيادة الجيش الحالية، عن المآل الذي آل إليه سياسي ومناضل بحجم زيتوت..فلقد كان بالنسبة لي رمزا للنضال الشريف والثبات على الموقف…ولكن للأسف كما يقول المثل.. آخر السبولة قطع صبعو!
المقال القادم.. سأتناول إن شاء الله الخطاب المعاكس والتنويمي والعنصري أيضا للسيد جربوعة..