- التوسط خير - الأثنين _27 _أبريل _2020AH 27-4-2020AD
- الدعوة لا تتوقف على المنابر - السبت _18 _أبريل _2020AH 18-4-2020AD
- كورونا تطال أجهزة الاستخبارات - الجمعة _27 _مارس _2020AH 27-3-2020AD
تابعت بعض منشورات تتسم بالتسرع في الحكم على الأمور من جهة، وبالحماسة تجاه بعض المستجدات، من جهة أخرى، وكانت تدور فحواها حول فشل ما يدعو إليه البعض من نشر الوعي طوال السنوات الماضية في حشد الشارع المصري، وأن الشارع احتشد فقط بخطاب عفوي صادر من شخص عرض بعض الحقائق عن الفساد بأسلوب بسيط وواضح ومباشر.
وفي بعض هذا الكلام حق، ولكنه يفتقر إلى الحق في نواحٍ أخرى.
فأولا؛ لا يخلو حال الإنسان عامة، والمسلم خاصة، من السعي إلى تطوير الذات، وتنمية الوعي الشخصي على طول خط الحياة، وإلا سيقف المستوى الفكري عند حد معين، ولن يكون هناك من قادة يبصرون الناس بحقائق الأمور، أو يستطيعون التعامل مع حقائق الواقع أو مستويات الصراع التي نعيشها.
ثانيا؛ الوضع في مصر معقد فعليا، والنظام العسكري متغلغل بقوة في مفاصل الدولة، والدعم الخارجي لا يتوقف عند المستوى المادي، بل هناك مستويات فكرية وتغريبية كبيرة تسعى الدول الكبرى المهيمنة – وعلى رأسها أمريكا – من خدمتها، حتى تكرس الأفكار التغريبية التي تسهل عليها السيطرة على مقدرات البلد لعقود، بل لقرون طويلة.
ثالثا؛ يستحيل أن يحدث التغيير في أي بلد يسيطر عليها حكم ديكتاتوري قمعي بمجرد مظاهرات تخرج، حتى وإن كانت حاشدة، فالمظاهرات يمكن أن تنجح في خلخلة وضع النظام الحاكم، أو حتى هدمه، ولكنها وحدها لا تستطيع القضاء على تغلغله في مفاصل الدولة، بل يجب معها البناء عن طريق تلك الكوادر التي تستطيع فهم آليات الصراع، ومستويات التغلغل، والتي لديها القدرة على إدارة الكيانات والوزارات والمؤسسات. فبدون القدرة على الإدارة لن تكون هناك سيطرة، وبدون الوعي بمستويات الصراع لن تكون هناك قدرة على القضاء على الدولة العميقة.
رابعا؛ إن سلمنا بالقدرة على الحشد، والنجاح فيه بشكل كبير – وهو واقع معاش نراه بأعيننا؛ فلابد أن نتيقن بأن الطرف المقابل يستحيل أن يتنازل عن السيطرة بمجرد الحشد والمظاهرات، بل لابد مع الحشد من مستويات للقوة تحمي ذلك الحشد، وعلى رأس تلك المستويات قوة الفكر والوعي، حتى لا يستطيع النظام الالتفاف على أهداف الثائرين وتمييعها، ومن ثم استغلالها في تغيير واجهته، ثم عودته لإحكام السيطرة مرة أخرى بطرقه المعهودة.
ولابد أيضا مع مستوى القوة الفكرية من مستويات أخرى للقوة تحمي الثائرين، فالكثير من الحركات التغييرية على مستوى العالم لم تستطع تحقيق أهداف ثورتها إلا من خلال حمايتها بالقوة أمام تحديات العنف التي واجهتها من قِبل الأنظمة القمعية الحاكمة.
خامسا؛ على فرض فشل المظاهرات بعد النجاح الفعلي في الحشد؛ أتموت الأهداف التي تم الحشد من أجلها؟! أم يجب الاستمرار في مواجهة النظام الفاسد القعمي؟!
ولن يستطيع شعب مواجهة نظام بمجرد دعوات إلى حشد جديد، أو طرق مواجهة جديدة سوى بامتلاك مستويات القوة التي تحدثت عنها آنفا. فلابد وقتئذ من الاستمرار في تطوير الذات والحفاظ على الوعي والتوعية، حتى وإن استمر الصراع لأجيال، فلابد أن نسعى إلى توعية تلك الأجيال بالقضية، وبمستويات الصراع، حتى تتجدد الدماء على بصيرة وهدى.
سادسا؛ التوسط في كل شيء مستحب ومطلوب، ولا مبرر للدعوة إلى التخلي عن ضرورة معينة – كالسعي المستمر في امتلاك سلاح الوعي – بسبب نجاح طريقة معينة لحشد الجماهير. بل يمكن الجمع بينهما، ولابد من وجود نخب واعية دائما من أجل النجاح في تحقيق الأهداف المرجوة. وإلا سيكون الإخفاق سيد الموقف حتى وإن أريقت دماء زكية في سبيل السعي إلى تمكين الحق وإزهاق الباطل.