تحركات دبلوماسية دافئة، سعى من خلالها السفير السعودي، وليد البخاري، في بيروت، إذابة جبل الثلج الذي تراكم إثر تصريحات لوزير الإعلام اللبناني المستقيل، جورج قرداحي، وصف فيها الحرب في اليمن بالعبثية.
حيث استضاف البخاري، على مائدة الإفطار على مدار ثلاثة أيام، العديد من النخب السياسية اللبنانية، كما التقى الرئيس اللبناني، ميشيل عون، متعهدًا بتقديم كل الدعم للدولة اللبنانية، وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان إن “السّفير السّعودي وضع عون في آليّة عمل الصّندوق السّعودي – الفرنسي المشترك، المخصَّص للدّعم الإنساني وتحقيق الاستقرار والتّنمية في لبنان”.
وهذا الصندوق كان قد أعلن عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الرابع من ديسمبر 2021، خلال زيارته الرياض.
لكن بهذه المساعي، وهذا التقارب هل يمكننا القول أن جبل الثلج قد ذاب، وأن الأزمة بين البلدين انفرجت كليًا؟
انفراج جزئي
ورأى خبراء ومحللون أن عودة السفير السعودي إلى لبنان واللقاءات التي يجريها مع بعض القوى السياسية تعكس انفراجاً جزئياً في العلاقات بين بيروت والرياض، فيما اعتبر آخرون أن الانفتاح السعودي مرتبط بالانتخابات البرلمانية اللبنانية.
ومن المقرر إقامة الانتخابات النيابية في 15 مايو المقبل، وسط توقعات باحتدام المنافسة في ظل حالة الغضب الشعبي جراء الانهيار الاقتصادي والمعيشي، فضلاً عن عزوف تيار “المستقبل” (أبرز مكون سنّي) عن المشاركة.
وتقول عواصم خليجية، بينها الرياض، إن إيران تسيطر على مؤسسات الدولة اللبنانية، عبر حليفتها جماعة “حزب الله”، وهو ما تنفي طهران والجماعة صحته.
ويعاني اللبنانيون منذ أكثر من عامين، أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية (الليرة) مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية.
عودة للدبلوماسية
وقال خلدون الشريف، السياسي والمستشار السابق لميقاتي، إن “تطور العلاقات بين الجانبين يتعلق بشكل أساسي بأداء الحكومة اللبنانية”، مشيرا أن “عودة السفير للدبلوماسية ليس أكثر”.
وأوضح الشريف في حديث للأناضول “إلى اليوم، دول الخليج تعتبر أن لبنان هو جزء من المحور الإيراني، لذلك لا نستطيع أن نقول أن عودة السفير السعودي تغيّر من هذا التموضع”.
تأثير الاتفاق النووي
وأضاف أن “الأنظار تتجه نحو أمرين بارزين سيكون لهما أثر على لبنان والمنطقة، الأمر الأول هو الاتفاق النووي، والثاني هو ملف الحوار السعودي – الإيراني، حيث من المنتظر أن تعقد الجولة الخامسة منه”.
ويتفاوض دبلوماسيون من إيران والولايات المتحدة وخمس دول أخرى منذ شهور، في فيينا حول صفقة لإعادة فرض قيود على برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرضها بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق في مايو 2018.
وأشار الشريف أن “ما حصل في اليمن مؤخراً من خلال تشكيل مجلس سياسي تتمثل فيه معظم الأحزاب التي يدور جزء منها بالفلك السعودي وآخر بالإيراني (باستثناء الحوثيين)، يعني أن هناك تحضير لمرحلة جديدة”.
الخلافات لم تنته
أما الصحفي والكاتب السياسي صلاح سلام، قال إن عودة السفير السعودي إلى لبنان تعكس بعض الانفراجات في العلاقات مع دول الخليج، لكن هذا لا يعني، أن مرحلة الخلافات انتهت نهائياً.
وأضاف للأناضول إن “عودة السفراء هي بمثابة نوع من اختبار إيجابية الحكومة اللبنانية في معالجة أسباب الخلافات مع دول الخليج، من بينها النشاطات السياسية التي كانت تحصل من قبل منظمات معارضة لحكومات تلك الدول، لا سيما السعودية والبحرين”.
ولفت سلام أننا “بمرحلة الخطوة الأولى، وستتبلور العلاقة لاحقاً على ضوء تصرفات وجدية الحكومة اللبنانية في الحفاظ على تعهداتها في مكافحة التهريب وتحسين العلاقات ومنع النشاطات المعادية لدول الخليج”.
عودة السفراء والانتخابات البرلمانية
في المقابل، رأى المحلل السياسي قاسم قصير أن “عودة السفير السعودي إلى لبنان مرتبطة بدعم القوى السياسية والحزبية المؤيدة للسعودية قبل الانتخابات البرلمانية وعدم ترك الساحة لحزب الله وحلفائه”.
وقال قصير للأناضول “بحسب معلوماتي فإن ذلك (العودة) تم بطلب فرنسي وأمريكي”.
وأضاف “طبعا لبنان الرسمي (الحكومة) أرسل إشارات إيجابية لدول الخليج عبر بعض المواقف، لكن مواقف “حزب الله” تجاه السعودية لا تزال على حالها، ولا يزال الدور الإيراني في لبنان هو نفسه”.
أما بشأن الخلافات بين بيروت والرياض، وما إذا كانت صفحة الخلافات قد طويت، قال “يبدو أن دول الخليج تريد ترميم العلاقات وتعزيز دورها في لبنان بهذه المرحلة”.
والإثنين، قال أمين عام جماعة “حزب الله” حسن نصرالله في كلمة متلفزة إن السعودية شنت عدواناً عسكرياً على اليمن وعلى جزء كبير من الشعب اليمني، وتساءل “الذي يخرب العلاقات العربية – العربية هو الذي قام بالحرب أو من يأخذ موقفاَ مع المظلومين ويطالب بوقف الحرب؟”.