دخلت الأزمة الخليجية والتى بدأت بقطع كلا من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقتهم فيها بقطر بدعوى تمويل الأخيرة للإرهاب ومساندة أصحاب الفكر الإسلامي يومها الخمسين دون وضوح في الرؤيا بينما يراقب الشعب العربي التطورات والتى ستبنى عليها مصالح اقتصادية واجتماعية كبيرة.
الأمر كان واضحا من بادية الأزمة فالدول التى فرضت حصار على قطر مطالبها واضحة وظاهرة لا تريد التنازل عنها وقطر أيضا موقفها واضح كما قررت أنها لن ترضخ لأحد كما لم تسمح بالتدخل في شئونها الداخلية، وسارت الأزمة هكذا حتى نهاية الإسبوع الماضى والذى عقد فيه ما عرف بـ “اجتماع القاهرة” بين وزراء خارجية الدول المقاطعة والذى كانت توصياته، (قبل انعقادة) واضحة من تغريدات وتصريحات وزراء الخارجية، ولكن كان الخطاب الختامي مفاجئ للجميع.
ترامب الساحر
قبل إعلان البيان الختامى للمؤتمر والذى توقع الجميع منه صدور قرارات أشد فتكا بالجارة العربية فضلا عن طردها من مجلس التعاون الخليجي أو التأهب للتدخل العسري هاتف الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، السيسي وطالبه بمتابعة الأزمة عبر الحوار وعدم التصعيد فخرج وزراء الخارجية العرب يتحدثون وكأنهم ليسوا بمتحدثين تصريحات لم تكن في محلها فخارجية الإمارات تحدثت عن “البسمة” في وجوه الناس وكأن الخلاف على قضاء يوم ممتع في شاطي سياحي، وأخر كما لو كان مستغرق في النوم العميق وأتي به على غفلة من نفسه وادلى بدلوه، (….) “الإخوان ارهاب”، وثالثهم طالب تركيا بالحياد كونها ليست من دول مجلس التعاون كما أنه لم يكن يعرف أن البلد التى تستضيف المؤتمر ليست من أعضائه وأخر تذكر رجولته التى أخرجها على مايكروفون تلك البلد معربا عن سلبية ردها.
المفكر الإسلامي الدكتور “صفوت بركات”، علق على تهدئة الأمور بعد مكالمة ترامب قائلا، “بقاء البخور ((الخليج )))على التنور الساخن يزيد من رائحته فترامب لن يسمح بتبريد البخور ولا حرقه”، إشارة منه أن ترامب سيلاعب دول الخليج مجتمعين ولم ينهى الأزمة كما انه لم يسمح بتصعيدها حتى يحقق ما يريد.
تركيا تحمى قطر بأمر أمريكا
من مفارقات هذه الأزمة الخليجية المتفاقمة ان القوات التركية المتواجدة حاليا على الأراضي القطرية ذهبت إلى هناك بموافقة أمريكية، ومن اجل التصدي لاي تحرك عسكري إيراني ضد قطر، او أي دولة خليجية أخرى.
كما أن التحرك العسكري التركي حظي بمباركة سعودية زعيمة “التحالف السني”، ويبدو أن مهمة هذه القوات تغيرت الآن 180 درجة، وباتت محصورة في إحباط أي انقلاب لإطاحة القيادة القطرية الحالية، مثلما قال الدكتور منصور اكوغن الخبير الاستراتيجي التركي في حديث لإذاعة “هابرتيرك”.
وأكد أكوغن أن هذه الحقيقة أسندت بشكل غير مباشر إلى الجنرال الكر باشبوغ، رئيس هيئة اركان الجيش التركي السابق، وأضاف عليها ان وجود هذه القوات في قطر ينطوي على مخاطرة كبيرة.
مصر تغرق من الخجل
في محاولة للحفاظ على هيبتها قال وزير الخارجية المصري إنه لا علاقة بين تأخر صدور بيان وزراء خارجية الدول الأربع بالاتصال الهاتفي بين ترامب والسيسي.
وزاد على ذلك بوصفه بأن المطالب التي تقدمت بها مع ثلاث دول عربية هي السعودية والإمارات والبحرين، إلى قطر بأنها “لا تقبل التفاوض”.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن “الأمر من البداية لم يكن مطروحا للنقاش، ولا توجد حلول وسط”.
وأضاف شكري في تصريحات لقناة أون تي في التليفزيونية المصرية،”الرد القطري على مطالب مصر والسعودية والإمارات والبحرين كان مطولا ومتعبا وفيه الكثير من اللغط والسرد والكلام الفارغ، وسلبيا في توجهه”.
اصطفاف الشعب القطري
يتحدث الإعلام القطري عن اصطفاف الشعب القطري وراء الشيخ تميم، أمير البلاد، منذ بداية الأزمة.
كما أعلنت تركيا دعمها موقف قطر. وجددت انتقادها للمطالب المقدمة لها بوصفها “غير مقبولة”.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء، استمرار دعم بلاده للدوحة. وقال لقناة فرانس 24 ” فيما يتعلق بالقائمة التي تضم 13 بندًا، فهي غير مقبولة تحت أي ظرف”.
وأضاف أن بعض المطالب تعادل “تجريد قطر من سيادتها”.
وقال أردوغان: “لا نزال ملتزمين باتفاقنا مع قطر، إذا طلبت منا المغادرة فلن نبقى طالما لا توجد رغبة في وجودنا”.
وأظهرت تركيا دعما كبيرا لقطر وأرسلت ما يقرب من 100 طائرة شحن محملة بالإمدادات والمواد الغذائية إلى الدوحة منذ بداية الأزمة.
كما قررت تركيا إرسال المزيد من الجنود والعتاد العسكري إلى الدوحة بصورة أكبر من المتفق عليها في اتفاق البلدين السابق، ووصلت بالفعل معدات ومركبات عسكرية تركية وجنود، الشهر الماضي.
وفي الوقت ذاته كان رد فعل الشارع العربي في مجمله لصالح قطر، وانعكست الطلبات سلباً على أبوظبي والرياض، فهناك شارع عربي كبير يتابع “الجزيرة” ، وليس كل المشاهدين والقراء العرب من عشاق قناة “أم بي سي” وصحيفة “عكاظ” و”الشرق الأوسط”، هناك من يبحث عن منابر أخرى ذات فائدة، ووجدها في الجزيرة .
ومن هنا فإن قطر حصلت على وسام دعم حرية التعبير والرأي الآخر ومساندة الثورات العربية، وهو ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز.
الجزيرة هدفاً:
كان من بين الأخطاء القاتلة التي فضحت أبوظبي والرياض، والتي حظيت بالقدر الكبير من ردود الفعل الدولية، واحتل طلب إغلاق “الجزيرة” حملة استنكار واسعة النطاق على مستوى عالمي، وعبرت غالبية وسائل الإعلام الدولية عن مواقف تضامنية، واستهجنت الدول الغربية هذا الطلب، واعتبرته نوعاً من محاربة حرية التعبير والرأي المختلف، وإعادة المنطقة إلى الوراء بعد عقدين من الثورة الإعلامية التي بدأتها قناة “الجزيرة” في المنطقة، وامتدت إلى كل أرجاء العالم العربي .
نشرت صحيفة “الجزارديان” تقريرا أعده كل من إيما غراهام هاريسون وغراهام روديك، يقولان فيه إن الصحفيين في قناة “الجزيرة”، التي يطالب التحالف السعودي الإماراتي بإغلاق عملياتها، يحاولون في غرف الأخبار وإعداد تقارير من أنحاء العالم، وضع مظاهر القلق جانبا، بأن القصة التي يغطونها قد تكون هي الأخيرة.
ويشير التقرير إلى التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ويطالب حكومة قطر بإغلاق القناة، كواحد من 13 شرطا لرفع الحصار المفروض على البلد؛ جوا وبرا وبحرا.
وتعلق الصحيفة قائلة إن “قناة (الجزيرة) قامت، على مدار عقدين من الزمان، بإحداث نقلة في المشهد الإعلامي في الخليج، وأغضبت في نقطة ما معظم الدول في المنطقة، التي لا تتمتع بتقاليد ديمقراطية أو إعلام مستقل”.
ويلفت الكاتبان إلى أن القناة الإنجليزية، التي حصلت على جوائز دولية، ويعترف بها دوليا، ليست الهدف الوحيد للحصار، لكن القناة العربية، التي تصل إلى قطاع أكبر من المشاهدين العرب، وتتميز تغطيتها بالجدل، هي الهدف الحقيقي للحصار .
في النهاية لا نستبعد أية تطورات في الأزمة وحتى انتهائها في الساعات المقبلة والمفاجآت واردة، بشقيها الاقتصادي والعسكري، لكن الأمر الثابت والظاهر هو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب متورطة في هذه الأزمة، وتصب الزيت على نارها لتزيدها اشتعالا، لإنها لو أرادت التهدئة، والحل السياسي، لفرضته على حلفائها، وجميعهم حلفاؤها، دون أي استثناء.