وطيفٌ سَارَ بي بَيْنَ الدُّروبِ
يُحَدِّقُ في الشَّمَالِ وفي الجَنُوبِ
وَيأخُذُني إلى لا حيثُ أدري
فَأركضُ خَلفَهُ رَغمَ الخُطُوبِ
إلى أيْنَ المَسيرُ بحقِّ رَبِّي
وكيفَ أكونُ خَلفَكَ كَالغريب؟!
فيسرع في خُطَاهُ ولم يُجِبْني
يَجولُ من الغَداةِ إلى المَغيبِ
وهمَّــــــتُهُ بِحَقٍّ لا تُبَـــارى
فَلَمْ يَشعُرْ بِعِيٍّ أو لُغُوبِ
ومثلُ “الخضر”ِ لا يَبغي سُؤالًا
فَهَل صَبَرَ النَّبيُّ عَلَى العَجيبِ؟!
فما بالي وكيف أُطيقُ صَبرًا
وَمَا صَبَرَ الكَليمُ عَلَى اللَّبيبِ
*******
فعدتُ إليه أسألُهُ وأرجو
جَوَابًا من بَعيدٍ أو قَريبِ
فَرَدَّ عَلَيّ.. أخجَلنِي بِقَولٍ
مَتَى السَّقطاتُ تبدو من نَجيبِ؟!
لزمتُ الصَّمتَ لا أدري كَأنِّي
شَعَرتُ بِمَا شَعَرتُ من الأريبِ
شَعَرتُ لَهُ بإخلاصٍ وَوُدٍّ
وَثَمَّةَ فِطنَةٍ نَحوَ المُريبِ
فأسرعتُ الخُطَى من دونِ خَوْفٍ
وَقَدْ أسلَمتُ أمري للحَبيبِ
عَرَفتُ بأنَّهُ يَبغي سُرُوري
يُسَاعِدُني عَلَى مَحْوِ الذُّنُوبِ
******
فيأخذني إلى نُورٍ تَجَلَّى
وَمِسْكٍ فاح رَغمَ دَمِ الحُرُوبِ
إلى حيثُ الرِّحَالُ تُشدُّ حُبًّا
إلى الأقصَى وحَائطِهِ النَّسيبِ
إلى أرضٍ مُبَارَكَةٍ وَقُدسٍ
إلى طُهْرٍ. إلى المَسرَى المَهيبِ
“لرائدنا” صَلاحِ الدِّينِ يَسعى
“لرائدنا” وَصَاحِبِهِ “الخَطيبِ”
لشَيْخِ القُدسِ “عِكرِمَةٍ” يُصَلِّي
للَيْثٍ حَوْلَ مَسجِدِنَا غَضُوبِ
لكوكَبَةٍ حَبَاها الله فَضْلًا
رِبَاطًا دَائمًا وَسْطَ الكُرُوبِ
لإيمانٍ يَفِلُّ عُرَى حَديدٍ
يَقودُ رِيَاحَ خَيْرٍ للهُبُوبِ
يُنَادي كُلُّ حُرٍّ “أنقذوني”
أُعَاني في القُيُودِ وفي اللَّهيبِ
تُحيطُ بمِعْصَمِي نَارٌ تَلَظَّى
فَتذهب بالوَليدِ إلى المَشِيبِ
******
أنَا الأقَصَى تُنَاديكُمْ جِرَاحي
فَمَن للجُرحِ؟ مَنْ لي بِالطَّبيبِ؟
ومَن مِنكُمْ يَرُدُّ الكَيْدَ عَنِّي؟
وَقَد طَالَ النِّداءُ بِلا مُجيبِ
فَلا سَمْعٌ ولا بَصَرٌ لقَوْمِي
وشمس العُرْبِ تسرع للغُرُوبِ
أهُم مَاتوا؟ بَلِ الأمواتُ تَشْكُو
تَخَاذُلَهُم لِعَلاَّمِ الغُيُوبِ
فَصَمتُ القَوْمِ ضَاقَ الصَّمْتُ مِنهُ
وقَد وَهَنَ الجَمَادُ مِنَ النَّحيبِ
وَأحجَارٌ بِكَفِّ الطِّفلِ تَكوِي
عُتَاةَ البَغي، سَهمٌ للقُلُوبِ
وَقَومِي لَم يُبَالوا كَمْ تَمَادَى
عَدُوُّ اللهِ ذو الوَجهِ الكَئِيبِ
فَفِي لَهْوٍ وَفي عَبَثٍ تَرَاهُم
وَمنهُمْ مَنْ تَوَضَّأ بالحَلِيبَ
فَمَالُ اللهِ يَصرخُ مُستَغيثًا
ألَيْسَ لأهلِ بَدْرٍ مِن نَصِيبِ؟
******
فَهَل وَلَّى الحَيَاءُ عَن النَّشَامَى؟
فَوَجهُ الكَوْنِ مِنهُمْ فِي شُحُوبِ
وَهُم غَابوا عَنِ الأمجَادِ لَمَّا
تَدَاعَتْ بِيْنَهُمْ هِمَمُ الشُّعُوبِ
تَدَاعَتْ بَيْنَهُم قِيَمُ المَعَالي
فَلا وَزْنٌ هُنَاِلَك للأديبِ
عَلَى العُلَمَاءِ تَلقَاهَا حُرُوبًا
عَلَى الأفكَارِ والعَقلِ المُصيبِ
وَفَوْقَ السَّطحِ يَعلُو كُلُّ غَثٍّ
يُعَربدُ والهُمُومُ بلا رَقيبِ
أمانينا من العَرَبِ استَجَارَتْ
أمَانينَا تَئِنُّ وَفِي نُضُوبِ
******
فَمَا أغلَى وَأحلاهُم شَبَابًا
أسُود القُدسِ والوَطَنِ السَّليبِ
جُنُودٌ لا تُبَالي أيَّ جَنْبٍ
تَمُوتُ عَلَيْهِ مِن أجلِ الحَبيبِ
فَقَد صَدَقوا عُهُودَ اللهِ، لَبُّوا
هُمُ الأبطَالُ لليَوْمِ العَصِيبِ
وَنُورُ الحَقِّ رَغمَ الغَيْمِ يَأتِي
نَرَى الظُّلُمَاتِ تُسْرِعُ بالهُرُوبِ
فَهُمْ مَطَرٌ وَغَيْثٌ للصَّحَارَى
وَهُمْ شَمْسٌ وَلَيستْ للغُرُوبِ