[المادح لما في مونديال قطر وما صاحبه من حسنات لا يقصد بالتأكيد مدح ما صاحبه من مخالفات لا تخلوا منها هذه المهرجانات وإنما هو يمدح….]
في الحديبية لمّا شاهد الرسول ﷺ رسول قريش قال «والله لا يدعونني إلى خطة يعظِّمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها».
وحول هذه الواقعة يعلق ابن القيم قائلا:
«أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه
وإن منعوا غيره فيعانون على تعظيم حرمات الله تعالى لا على كفرهم وبغيهم ويُمنعون مما سوى ذلك،
فكل من التمس المعاونة على محبوب لله تعالى مُرضٍ له أجيب إلى ذلك كائنا من كان».
ويضيف رحمه الله قائلا:
«وهذا من أدق المواضع وأصعبها وأشقها على النفوس».
هذه القاعدة تستطيع أن تتبعها في الهدى النبوي في مواقف كثيرة فمثلا موقفه من النجاشي وكان كافرا
ولكنه أرسل أصحابه إليه وهو يقول «إن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد»
ومقولته في حلف الفضول «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبته».
وكان حلفا في الجاهلية تداعى له القرشيين الكفار لنصرة المظلوم.
وفى هذا النص معنى جميل إذ كان النبي ﷺ يشارك قومه من كفار قريش في المشترك بينهما ويعتزلهما فيما عدا ذلك،
فكان يعتزل شركهم وعبادتهم للأصنام ويشاركهم في مكارم الأخلاق
ورفع المظالم وحسن الجوار وصلة الأرحام وحفظ الأمانات حتى أنهم كانوا يلجأون إليه في ملماتهم،
وقال ﷺ في المطعم ابن عدى وكان قد مات كافرا:
«لو كان المطعم ابن عدى حيا وسألني هؤلاء النتنى -يعنى أسرى بدر- لوهبتهم له».
همّ ﷺ أن يعطيه ثمرة نصره لما كان له من مكارم الأخلاق
بل إن القرآن الكريم يصف انتصار الروم على الفرس بنصر الله
ويحدث بفرح المؤمنين بهذا النصر لأنهم مع كفرهم أقرب للمسلمين من كفار المجوس.
وخلاصة الفكرة :
أن المسلم لا ينبغي أن يضع في ذهنه صورة مثالية لما يجب أن يكون عليه الشخص أو العمل مليئة بالمفردات ومن خالف هذه الصورة في جزئية منها وجب نبذه!
بكل ما فيه فليس في البشر ولا أعمالهم من يخلوا من مخالفة أو تقصير،
بل من دعا إلى محبوب لله وجب أن تمد إليه يدك وإن كان في غيرها ليس كذلك.
أقول هذا بمناسبة الحديث عن كأس العالم وما أثير عنه من ضجيج فمن يمتدح منا ما يجرى فيه
لا يمتدح بالتأكيد ما يصاحبه من مخالفات شرعية كالتعصب المقيت أو السفه في الإنفاق ولا الاختلاط الذميم
وإنما يمتدح ما صاحبه من محاسن خلت منها الدورات السابقة
والحديث عن ذم تلك المخالفات لا ينفي الحديث عن الحسنات الأخرى
وكلاهما مطلوب ولا ينفي أحدهما الآخر،
فالناس والأعمال ليست بيضاء نقية لا يشوبها كدر ولا سوداء قاتمة لا يضئ منها طرف
وليسوا مصلحة لا تشوبها مفسدة ولا مفسدة لا تشوبها مصلحة وإنما هي ألوان رمادية فيها البياض والظلمة،
والمصلحة ممدوحة ينبغي أن تمدح و تعضد وتدعم وتحمد لصاحبها والمفسدة مذمومة ينبغي أن تذم و ينكر على فاعلها
والمادح لما في كأس العالم بقطر وما صاحبه من حسنات
لا يقصد بالتأكيد مدح ما صاحبه من مخالفات لا تخلوا منها هذه المهرجانات
وإنما هو يمدح ما فيها من جديد الخير وترويضها لتستوعب حسنات لم تشهدها هذه المهرجانات من قبل.
ونسأل الله القبول
- أسامة حافظ يكتب: من كنوز الفقه الإسلامي - الأثنين _26 _ديسمبر _2022AH 26-12-2022AD
- أسامة حافظ يكتب: مونديال قطر.. وابن القيم - الأربعاء _7 _ديسمبر _2022AH 7-12-2022AD
- أسامة حافظ يكتب: مونديال قطر.. وابن تيمية - الخميس _1 _ديسمبر _2022AH 1-12-2022AD