قبل أيام من انتهاء شهر أغسطس الماضي تواصل معي رئيس تحرير إحدى الصحف الخليجية الذين قدر لي العمل معهم لنحو عام كامل منذ سنوات.. سألني صاحبنا عن أخباري ومكان عملي في الوقت الحالي فأجبته أني بخير والحمد لله وأن كورونا أفسدت علينا الكثير من مشاريعنا.. بادر الرجل بأن يعرض علي العمل معه من جديد وهو الأمر الذي أسعدني خاصة وأن أغلب صحفي مصر يمرون بأزمات تلو الأزمات.. لكني طلبت منه أن يرسل لي بتفاصيل العرض على أن يمهلني مدة زمنية أدرس خلالها هذا العرض وأستخير الله فلم يمانع.
لم تمر أيام حتى درست العرض جيدا وقد حددنا طبيعة المهام التي سأقوم بها والتفاصيل المتعلقة بعدد ساعات العمل والإجازات وغير ذلك فيما ارتاح قلبي بعد استخارة الله إلى أن أستأنف العمل مع تلك الصحيفة التي كان لي تجربة سابقة معها وقد تركتها نتيجة لخلاف حول تخفيض الرواتب بأثر رجعي دون مشورتنا.
بدأنا العمل بالفعل وكان إلى حد ما يسير بشكل طبيعي فقد اعتدت من خلال التجربة السابقة على طبيعة الضغط الذي يمارسه صاحبنا على العاملين معه في إطار محاولات الاستفادة من كل ثانية في الدوام .. وللحقيقة فإن صاحبنا على المستوى المهني متميز.
تزامن اليوم الثامن من العمل «11 سبتمبر» مع إعلان البحرين اعتزامها توقيع اتفاق سلام بصحة الإمارات مع الكيان الصهيوني وهي الأخبار التي كنا نتابعها رغم مرارتها ووقوعها على رؤوسنا كالصاعقة.
بعد أقل من ساعة من تداول هذه الأخبار وردود الفعل حولها فاجأني صاحبنا رئيس التحرير بأن يطلب مني بشكل خاص كتابة تقرير حول إعلان ترامب عن الخطوة البحرينية مصحوبا بالصور والفيديوهات ووفق التوجه.. الأمر الذي دفعني للإسراع بالتساؤل.. أي توجه؟ إذا كنت أصلا أعارض هذا التطبيع وأشعر بالحسرة على ما يجري ومختتما كلامي.. عليه العوض.. ليسألني صاحبنا السؤال الذي أغلق كل باب لحسن الظن.. وليه تعارض؟.
بالطبع لم يكن غريبا أن يكون هذا الحوار نهاية لعمري الوظيفي في الصحيفة إذ لم يطق صاحبنا أن أرفض تنفيذ المطلوب مني حتى لو كان ذلك بالمخالفة لأفكاري ومبادئي التي تتعارض مع التوجه الذي تتبناه المؤسسة التي أعمل بها.
لم تنتابني بفضل من الله عز وجل لحظة حزن واحدة على ما آل إليه وضعي بل على العكس فقد شعرت بالفخر والعزة كون أن الله وفقني إلى أن أنتصر على نفسي فلم استسلم أمام حاجتي أو الظروف الصعبة التي نمر بها كما مكني من أن أقول لا بصوت عال.
لكن ذلك لم يمنع عني مشاعر حزن من نوع آخر فقد تأكد لي بما لا يدع مجالا للشك أن أغلب دول الخليج بالفعل في طريقها إلى تطبيع كامل مع الكيان الصهيوني وهي مصيبة لو يعلمون عظيمة.
ترددت كثيرا في أن أكتب هذه السطور وكنت أرى الاكتفاء بما كتبته على صفحتي الأيام الماضية حول رفضي ارتهان لقمة العيش بالدفاع عن الهرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني وأنه إذا كانت تلك مرهونة بذاك فلتذهب تلك إلى الجحيم غير أن بعض أصدقائي من الصحفيين والإعلاميين عندما علموا بتفاصيل ما جرى نصحوني بأن أكتب بعض السطور عن هذه الحادثة لتكون رسالة إلى كل الزملاء من العاملين في صحف عربية أو غير عربية لتكون دافعا لهم للتمسك بأفكارهم ومبادئهم وثوابتهم .
ما زاد من حماسي للكتابة ذلك التهافت الذي بدأت أراه من بعض ممن كنت أحسبهم أصحاب مواقف حقيقية حتى لو كان بيننا الكثير من الاختلاف الفكرية حول بعض القضايا إذ يبقى أن هناك ثابت يحرص كلانا على الدفاع عنه.
لست بطلا ولا أدعي البطولة كما أنني لا أزعم امتلاك الحقيقة المطلقة كما لم أنصب نفسي يوما والحمد لله لمحاكمة الناس أو التفتيش عما بداخلهم لكنني على قناعة تامة بأن ثمة ثوابت دينية ووطنية لا يمكن على الإطلاق أن نتخلى عنها أو أن نفرط فيها أو أن تكون خاضعة لوجهات النظر بغض النظر عن دعاوى أولئك القوم الذين يميعون كل شيء ويخلطون الأوراق.
- أسامة الهتيمي يكتب: الناتو العربي.. والكيان الصهيوني - الأربعاء _13 _يوليو _2022AH 13-7-2022AD
- أسامة الهتيمي يكتب: حسن حفني وثلاثة مواقف - السبت _23 _أكتوبر _2021AH 23-10-2021AD
- أسامة الهتيمي يكتب: إيران ومشروع «الشام الجديد» - الأثنين _28 _يونيو _2021AH 28-6-2021AD