يتهم البعض جماعة الإخوان المسلمين بأنهم يسعون إلى الحكم ويبذلون في ذلك كل ما يستطيعون، ويعتبرون ذلك جريمة يجب معاقبة الإخوان المسلمين عليها، وكأنهم يسعون بين الصفا والمروة، بينما الإخوان المسلمين ليس من حقهم الدستوري والقانوني المنافسة المشروعة والسلمية المعترف بها في العالم كله.
ان وصف النخب السياسية المصرية نفسها بالطهارة والنزاهة، وإن الحكم لا ينبغي أن يكون لغيرهم، واتهام الآخرين بالمنافسة السلمية، يهدم مبادئهم التي يؤمنون بها،ولا يعطي مجالا لتطبيق نظريات الديمقراطية التي يتشدقون بها.
الإخوان المسلمون تنظيم مدني إصلاحي بالدرجة الأولى، يستمد سياسة الإصلاح من عمق الدين الإسلامي، ويسعون إلى إصلاح الفرد والبيت والمجتمع ثم الحكومة، ولأن دعوة الإسلام عالمية أيضًا فقضية الإصلاح لدى جماعة الإخوان المسلمين عالمية أيضًا،
ومفهوم الإصلاح الكبير قد اختلط على البعض في فهم المقاصد والمصطلحات حيث إن مفهوم أستاذية العالم مصطلح أحدث لغطًا كبيرًا أيضًا حيث اعتقد البعض أن هدف الإخوان المسلمين هو السيطرة على حكومات الدول، ثم الانتقال إلى تكوين اتحاد عالمي تحت خلافتهم وسيطرتهم، لكن المعنى في السياق الطبيعي هو أن يسود الإصلاح في العالم كله وفقًا لمخطط الإصلاح الذي يبدأ بإصلاح الفرد منتهيًا بأستاذية العالم.
وفي طريق الإصلاح هذا، هناك وسائل وخطط مرحلية للوصول إلى الهدف الكبير، وإذا كان الإصلاح هدفًا أساسيًا فيمكن أن يتحقق بوصول الإخوان المسلمين للحكم، وكذلك يمكن أن يتحقق بمساعدة من ترى فيه إمكانية قيامه بالإصلاح والتغيير للوصول إلى الحكم كذلك.
من قواعد الديمقراطية في العالم و المتفق عليها أن من ينتخبه الشعب في انتخابات نزيهة من حقه أن يحكم ويتحكم منفردًا حتى يكون في موضع مسئولية أمام ناخبيه، ورغم ذلك تخلى الإخوان المسلمين عن ذلك
وفتحوا المجال لتشاركية سياسية أمام الجميع، ليشارك الجميع في الإصلاح والتغيير، لكنه كان خطأ كبيرًا وفقًا لقواعد الديمقراطية التي هبطت على الشعوب العربية من دون سابق إنذار.
دعوة الإمام حسن البنا برغم طابعها الإصلاحي ومضمونها التبشيري مثقلة بهمّ استعادة الحكم الإسلامي، ويقول الأستاذ البنا في هذا إن الإخوان «لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله».
تخوض حركة الإخوان صراعها السياسي مع الأنظمة القائمة، فالأنظمة ترى في الإخوان المسلمين خطرًا وجوديًا على عروشهم ومصالحهم الأخرى، اتخذ الإخوان شكلًا تنظيميًا خاصًا، يتسم بالصيغة الدولية (أي تنظيم يمتد في أكثر من دولة في العالم) كان له حضور واسع على مستوى العالم العربي في بعض المراحل السياسية وتركت أثرًا واضحًا في بعض دول
العالم الإسلامي، أدى ذلك إلى خصومة أكثر من نظام عربي وإسلامي، وموضع صراع واتهام وإساءة، وتعرضت للمنع والحظر وبخاصة التنظيم الأقوى في مصر، وتعرض أفرادها أكثر من مرة للملاحقة والسجن والإعدام أحيانًا.
كان للإخوان المسلمين تأثيرات كبيرة في دول كثيرة من العالم وشاركت في الحكم بصور مختلفة، وأحدثت أثرًا واضحًا في بعض المراحل السياسية من تاريخ تلك الدول، وغيرت مفهوم النظرة إلى الحكم، من نظرة الوجاهة والمصالح، والاستبداد والنفوذ والفساد إلى نظرة تحويل المسئول في الدولة إلى خادم وراع لمصالح الشعب.
لم تتلوث أياديهم بالفساد المالي ولم تمتد أياديهم إلى المال العام، بسرقة أو رشوة، تشرف بهم الحكم وتشرفوا بحمل المسئولية، وشاركوا في إصلاح الحكم في كثير من دول العالم الإسلامي.
آخر تلك المشاركات،
هو الرئيس محمد مرسي الرئيس الشهيد، الذي غير مفهوم الحكم لدى البسطاء من أفراد
الشعب المصري، وأصبحت قصور الرئاسة، متاح دخولها للعمال والفلاحين واليتامى والمساكين، والنقباء والممثلين، وكل طبقات الشعب المعدمين، لم يتقاض أجرًا طيلة حكمه، ولم يسكن قصرًا، ولم يترك فجرًا في جماعة رغم كونه رئيس الدولة المصرية.
ليس من مهام الإخوان المسلمين حكم العالم، ولكن من وظيفتهم التي لا يتقاضون عليها أجرًا هو السعي نحو إصلاح الحكم الذي هو محور ارتكاز كبير للتغيير لم يكن للإخوان المسلمين في يوم من الأيام دولة، حتى نطلب منهم، مسئوليات وأعباء ومهام الدولة.
هي جماعة دعوية جامعة تحمل الخير للعالمين، تنجح في مسار وتفشل في آخر، لكن أثر التغيير والانتقال السلمي المتدرج من الحكم الشمولي الاستبدادي العسكري إلى حكم مدني وضحت معالمه في بعض البلدان وبدء يؤتي ثماره من ازدهار وتقدم لتلك الشعوب، التي انتقل بها التغيير من الفشل الذريع إلى النجاح والتقدم.
انطلقت فكرة الإخوان المسلمين، وتجاوزت الفكرة
التنظيم حتى أصبحت واقعًا، في حياة بعض الشعوب، ولا تزال خطوات متدرجة تخطوها شعوب أخرى نحو التغيير، حتى تتلاقى تلك الشعوب عند نقطة إصلاح كبير، بعد تخطي حواجز الانكسار، والهزيمة وعقبات المؤامرات.
تغيير وجه العالم، هدف كبير، لكن عدم استيعاب الفكرة الكبرى للتغيير، وضع جماعة الإخوان المسلمين في مرمى سهام النقد والتشكيك لمجرد حدوث مؤامرات كبرى من أجل إسقاط التجربة المصرية التي لم تتجاوز عمرها 12 شهرًا، وأصبحت الجماعة فاشلة، لمجرد الانقلاب عليها، في مصر!
نظرة الإخوان المسلمين للحكم نظرة متوازنة بين السعي لامتلاك أدوات الحكم والسيطرة عليها في حال عدم وجود من يسعى للإصلاح، أو العمل على إصلاح الحكم وليس الحكم من خلال مساعدة من يقوم بإصلاح الحكم.
السعي إلى الحكم ليس بجريمة يتبرأ منها الإخوان المسلمين، بقدر ما هو مسئولية وأمانة وشرف، ولم
يفشل الإخوان المسلمون في حكم مصر، بل كانت مؤامرة كبرى لإسقاطهم، وبرغم ظاهرية سقوطهم إلا أنهم أسقطوا خيوط المؤامرة الكبرى، وأصبحت حربًا علنية معلومة أطرافها، لكنهم سيعودون بصحبة المخلصين من أبناء الوطن، لأنهم هم الفصيل الذي لا يزال مؤهلًا لتلك المسئولية رغم الضربات التي تعرضوا لها،.
وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر ولو شكليا لمدة عام كامل في أول ظاهرة انتخابية شفافة في تاريخ مصر ﻻ يعني حب الناس للجماعة بقدر تعطش الشعب إلى من يحمل الفكره الإسلامية الوسطية والتي تحمل في طياتها العدل، والحرية، والتقدم والازدهار والانضباط وإعمار الحياة بكاملها.
وتجربة الإخوان في النقابات المهنية في مصر مؤشر قوي على إمكانية نجاحهم بقوة في إدارة الدولة لو توفر لهم مناخ العمل وحرية واتخاذ القرار ومساعدة أجهزة الدولة ومؤسساتها لهم، ولم يفشل الإخوان في إدارة الدولة بقدر تكاتف الجميع في إفشالهم وإسقاطهم.
تجمعت مصالح داخلية وقوى إقليمية ودولية ليس من مصلحتهم نجاح تلك التجربة لأن نجاحها يعني زوال عروش ظلم كثيرة في المنطقة واقتراب زوال إسرائيل أيضًا، وسقوط الإخوان وفشلهم ﻻ يبرر لهم أن يحملوا سلاحًا من أجل استعادة ملكهم في مصر لأنه ببساطة من أدبيات الإخوان في نظرتهم للحكم أن من يأتي للحكم فهو خادم للشعب، وليس متسلطًا عليه.
وإذا لم يحم الشعب من سيأتي به ليحكمه فلن يورط الإخوان أنفسهم في حمل سلاح وإصابة دماء لأنهم ببساطة جاءوا لصيانة الأعراض وحفظ الحقوق وحقن الدماء ورقي الوطن ونشر الرخاء.
لم ولن يكون الإخوان دعاة حمل سلاح من أجل تغيير واقع مصر إذا كانت المواجهة المسلحة داخل القطر الواحد، ولن يكون استخدام السلاح من مصري في مواجهة مصري آخر، إن أبناء الوطن الواحد لا يمكن أن تتلاقى وجوههم مع فوهات البنادق أو رصاصات السلاح، وإن مشروعية القتل وحمل السلاح في تلك الحالة لا تستند إلى شريعة أو شرعية، ولا يقرها دين أو عقيدة صحيحة وسليمة، وإن ما حدث في مصر من انقلاب عسكري وقتل أبرياء لا يكون مبررا في استخدام السلاح لاستعادة الشرعية الدستورية والسياسية.
لذلك كان هتاف مرشدها سلميتنا أقوي من الرصاص،
وصدقت كلماته وأثبت التاريخ صحة منهجهم فاليوم يتساقط النظام الفاسد يوما بعد يوم ويوم أن يزول فسيزول غير مأسوفا عليه ولن يجد من يترحم عليه أو يبكي رحيله، وإن ما أنجزته السلمية المفترى عليها بعد مرور عشر سنوات مضت أثبتت صحة ونضوج المواقف الحكيمة التي منعت الاحتراب الأهلي ووقوع مصر في فخ عسكرة الثورة المصرية، والوصول إلى تقسيم مصر عبر تدخلات دولية.
إن تجربة حكم الإخوان وضعت الكل أمام حجمه الطبيعي
وكشفت الخونة وأسقطت قناعات كثيرة مزيفة وكل يوم يمر تنكشف معه حقائق كثيرة، لن يكون حكم مصر غنيمة ضائعة حتي يحمل الإخوان السلاح لاستعادتها، حيث أن استعادة الشرعية الدستورية والسياسية أصبح واجبًا على كل الشعب المصري وليس قاصرًا على فئة أو جماعة.
إلى المتعجلين من داخل صف الإخوان تعلموا الحكمة من قيادتكم، واعلموا أن الحماسة الزائدة لا تبني وطنًا ولا تعيد حكمًا ولا تقيم دولة، وإن استيعاب الظروف السياسية والمتغيرات الدولية والإقليمية من ضرورات العمل السياسي الحكيم الذي يجب أن نتعلمه جيدًا، وأن المستحيل اليوم سيكون ممكنًا غدًا.
وإلى الشامتين من خارج الصف
الذين يجلدون الإخوان ليل نهار إنكم لم تتعلموا بعد ولم تعرفوا أين تضعون أقدامكم، وإن ضياع التجربة المصرية التي جاءت بالإخوان المسلمين لحكم مصر كانت بسبب عدم وجود خطاب جامع يلتقي عليه الجميع من أجل تقديم المصالح العليا للوطن في مقابل التخلي عن الطموحات الحزبية والمطامع الشخصية.
علي الجميع أن يراجع قناعاته فحكم مصر ليس بالغنيمة التي يتصارع عليها النخبة بقدر ما هو مسؤولية وأمانة تتطلب القوي الأمين، وأن من يتولى المسئولية لابد أن يكون منتخبًا من الشعب المصري عبر انتخابات نزيهة تعبر عن طموحات وآمال الشعب المصري في التغيير والانتقال السلمي المتدرج من الحكم الشمولي
الاستبدادي العسكري إلى حكم مدني مصري منتخب. دعونا نتلاقى ونلتقي بدلًا عن الخلاف واﻻختلاف، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون
- أحمد هلال يكتب: ما هو موقف الإخوان المسلمين من الحكم؟ - الجمعة _12 _مايو _2023AH 12-5-2023AD
- أحمد هلال يكتب: أمانة الكلمة.. «السودان» - الثلاثاء _9 _مايو _2023AH 9-5-2023AD