- أحمد بن محمد الشبي يكتب: الأمازيغيون وتمجيد الهراء - الثلاثاء _6 _ديسمبر _2022AH 6-12-2022AD
- أحمد بن محمد الشبي يكتب: أيها الأئمة: أهلا بكم في عصر القسوة - الخميس _12 _مايو _2022AH 12-5-2022AD
- أحمد بن محمد الشبي يكتب: في مدح أهل الله - السبت _2 _أبريل _2022AH 2-4-2022AD
يا صاح: في دول المؤسسات، وحيث تسود قيمة العدل، وتحضر قيم الكرامة والمساواة والإنصاف صعب إلى حد الاستحالة إيقاف موظف أو عامل عن عمله، وحرمانه من رزقه وقوت عياله بالحيف والشطط والتسلط.تتبنى مظلمته، وتنافح عنه وعن حقوقه في «حلف فضول» جديد ومعاصر مبارك.
أما في دولنا الموغلة -منذ أمد بعيد- في الاستبداد والاستعباد، والمتمرنة طويلا على إهدار حقوق الإنسان، وامتهان كرامته وحرمته،فذلك عندها أمر عادي ومألوف
ويزداد ذلك ضراوة فما يخص «الأئمة والفقهاء»،
الذين استسلموا للوهم كثيرا، واتكلوا على عهود مضت، وماض عرفوا فيه الاحترام والتوقير،
وظنوا بسذاجتهم الفطرية أن الأمور لن تتغير، وأن طوفان التغريب الممنهج، وخططه المحكمة لن ينجح في تهوين قدر «الفقيه» ولن ينال من مكانته بين الناس، ولن يلحق دوره ووظيفته في المجتمع أي أذى أو تهميش.
وللأسف الشديد قد حصل ذلك بعمق وقوة، فقد نجحت المؤامرة في تلويث اسم الفقيه، وتحطيم رمزيته، وجعله شخصية مهينة أقرب إلى الاستهزاء والازدراء، وتحول حملة القرآن -وهم أشراف الأمة- لأشخاص يثيرون الاشمئزاز أو الشفقة في أحسن الأحوال
إذا أضيف إلى هذا الهوان ما هم فيه من كونهم شذَر مذَر لا يجمعهم إطار ولا كيان، ولا يسمح لهم وحدهم دون الناس بتكوين جمعيات أو أحلاف تتبنى مطالبهم، -وحتى ما أسس منها كالرابطة الوطنية لأسرة المساجد بالمغرب فمازال التضييق يمارس على مؤسسيها من إغراء وعزل وتهديد- وتدافع عن حقوقهم، وتسمع أصواتهم، عرفت أنهم رجال في العراء، أيتام على موائد اللئام ، وفرائس سهلة المنال.
ذلك هو ما كرس واقعهم المهين، وسهل على الموظفين أن يتلاعبوا بمصائرهم، ويستهتروا بكرامتهم، وأن يبقوا تحت سطوة العوام والرعاع الذين يدفعون لهم «الشرط» أو تحت سلطة موظفي الأوقاف الذين يسومونهم أصناف الهوان والاحتقار
وفي إحدى صور الحيف الذي حاق ببعضهم أصدرت وزارة الأوقاف أمرها النافذ بتوقيف عدد كبير من الأئمة والفقهاء منذ ما يقرب من ثلاث سنوات مضت بل وقبلها وبعدها وهلم جرا، ورمت بهم في البطالة المستمرة والخانقة، وحرمت المساجد من كفاءات مدربة ومتمكنة دون مراعاة أي ظرف أو حال، ودون أن تكلف نفسها السؤال عن حالهم وما لحق بهم من ضرر وبلاء
الذي يحز في النفس أن الذين ارتكبوا تلك الحماقة نسوا في غمرة السلطة، ونشوة السطوة أن في أعناق أولئك الائمة الموقوفين،أسرا بريئة، وعائلات مظلومة، وأطفالا صغارا، وجدوا مع آبائهم في تلك المأساة،وعانوا ما وراء ذلك من قلق المرحلة، وعقابيل الفاقة والحاجة وسوء القالة، وتخبط الحال الذي يعقب مثل تلك القرارات الرعناء
ذلك حطم أفئدة، وأسال دموعا، وداس على براءة الطفولة، واستهان بمعاني الإنسانية، وتجاهل ومضات الضمير ويقظاته
أنا عن نفسي لو أوقفت نملة في مسارها إلى قريتها وبيتها، لما ارتاح لي ضمير، ولا قر لي بال ، أما أصحاب «ربطات العنق» غير المحترمين بالمرة فهم يخنقون أنفاس أمة من الناس، ويغلقون عليهم منافذ الحياة ،ويوقفون عنهم الرزق اليسير الذي به يتبلغون، ببرودة الثلج وقسوة الأحجار
هبْ أن القانون طالهم، وأنهم يستحقون ما يعانون، وأنهم لا مجال للرأفة بهم.
أفتعمى المروءة والنخوة عن اعتبارات أخرى أعلى وأغلى بكل مقياس؟ دعني أذكر لك قصة بهذه المناسبة.
كان الحطيئة الشاعر المشهور يهجو الزبرقان بن بدر، فاستغاث هذا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه،
فأخذه عمر وحبسه وقال له: لأشغلنك عن أعراض المسلمين.
فقال الحطيئة وهو في محبسه أبياتا منها :
ماذا أقول لأفراخ بذي مـــــرخ حُمْر الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
أبقيت كاسبهم في قاع مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر
وأنت ترى أن صرامة العدل، وقوة الحق،تراجعت أمام هذه الحالة الإنسانية، ورعت الأبرياء أثناء المحاسبة، ولم تبلغ بالعقاب مبلغا يؤذي كل الشعور ويحبط كل آمال النفوس
حين يلغي أحد هذه الاعتبارات -وهو يمارس قسوته- فأنه يفقد إنسانيته ويخسر ضميره، ويقترب من جفاف الروح، وبلادة الضمير إلى حد الموات والجمود
وفيما حصل للائمة في عهد وزارة التوفيق يقترب من هذه البشاعة والوضاعة ويتاخم موت الضمير، وشعور الإنساني الرقيق، شجع على ذلك ما أسلفناه من أسباب الاستهانة، وغياب كل ناصر
كما قال المعرى: لما وصف له الحمام في العلاج، فقال:
استضعفوك فوصفوك ::: هلا وصفوا لي لحم الأسد وأنيابه
أيها الكرام: لا عزاء لكم.لأنكم ببساطة في عصر القسوة الذي لا يرحم